لماذا " بوادٍ غير ذي زرعٍ" ؟
شاءت حكمة الله أن يكونَ بيتُهُ الحرام ، في المنطقةِ الحارةِ من الأرضِ وفي وادٍ غير ذي زرْعٍ ؛ ليكونَ واضحًا لدى الحجاج أن الاتصال الحقيقي بالله ، يحقق للمرء سعادةً يستغني بها عن كلِّ الشروطِ المادية ، التي يتوهم أنها سبب سعادتهِ ، وأنَّ سعادةَ الإنسان تنبعُ من داخلهِ ، لا مما يحيط به نفسه من ألوان النعيم !
ولو كان بيت الله الحرامِ في المنطقة المعتدلة من الأرضِ ، حيث الجبال الخضراء ، والمياه العذبة والبحيرات الصافية ، والبساتين الغنَّاء ، والجوّ اللطيف ، والنسيم العليل ، وكان الحجُّ على مدار العام ، دفعًا للازدحامِ ، لأقبل كلُّ الخلقِ على أداء الفريضة الممتعة طلبًا للاستجمام ، لا حبًّا بخالق الأكوان .
قال تعالى : "رَّبَّنَا إِنِّي أَسْكَنتُ مِن ذُرِّيَّتِي بِوَادٍ غَيْرِ ذِي زَرْعٍ عِندَ بَيْتِكَ الْمُحَرَّمِ رَبَّنَا لِيُقِيمُوا الصَّلَاةَ فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِّنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ وَارْزُقْهُم مِّنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَشْكُرُونَ" إبراهيم37
وفضلًا عن موقعِ البيت الحرامِ ، وعن طبيعة الجوِّ فيه ، فإن الحاج المحرم يحظر عليه لبس المخيط من الثياب ، ويحظر عليه التطيُّب بكلِّ أنواعهِ ، ويحظر عليه الحلق والتقصير ، ويحظر عليه مقاربة المتع المباحة خارج الحج ، كلُّ ذلكَ ليحكم اتصاله بالله ، وليسعد بقربه وحده ، بعيدا عن كلّ مداخلة من متعِ الأرض ، ليتحقق الحاجُ أنَّهُ إذا وصلَ إلى الله ، وصل إلى كل شيء ، وأنَّ الدنيا كلها لا يمكن أن تسعد الإنسان ، ولينطلق لسانه بشكلٍ عفوي قائلا :
يــــــــــاربِّ ، ماذا فقدَ من وجدك ؟
وماذا وجدَ من فقدك ؟
نظرات في الإسلام ، د.محمد راتب النابلسي ، ص118
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق