كسوة الكعبة كانت من مصر
كانت تصنع في مصر ، وترسل كلَّ سنة إلى مكةَ ، تَرِدُ إليها باحتفال كالاحتفال بالمحمل ، والمحمل بدعة لا أصل لها في الشرع .. وكان سبب إبطال هذه البدعة أن الحجاج من السلفيين من أهل نجد وصلوا إلى منى يوم النحر من سنة 1344هـ فرأوا المحمل المصري منصوبا والجند من حوله ، يحفظونه ويضربون طبولهم ، وينفخون في مزاميرهم ، أي أنها الموسيقى العسكرية تصدح عنده ، فعجبوا مما رأوا وأنكروه ، ورأوا الجنود كأنهم يعظمونه فلم يدروا ما هو ،
فقال قائل منهم : "صنمٌ ، يعبدون صنمًا في منى "
وتصايحوا : " الصنم ، الصنم"
وأقبلوا يحصبونه ، ويرمونه كما يرمون الجمرات ، التي يرونها رمزا للشيطان ، وكان قائد الجنود المصريين ، أحد الباشاوات العسكريين ، ويبدو أنه كان أهوج طيَّاشا ، لا يعرف الحكمة ولا يحسن تدبير الأمور ، فنصب مدافعه ووجه رشاشاته ، وأمر بإطلاق النار على الحجاج وهم بلباس الإحرام ، فسقط منهم خمسة وعشرون قيلا ، وأربعون من الإبل ومن الدواب أصابها الرصاص .
وسمع الملك وهو في سرادقه الصوت ، فأقبل يعدو حتى وقف بين الفريقين لا يبالي بالرصاص ، يمدُّ ذراعيه ينادي :
" أنا عبدالعزيز...أنا عبدالعزيز .."
فلما رآه قائد الحامية المصرية أمر بوقف النار ، وراح الملك يهدئ الأمور وأمر ولده فيصلا (الملك فيصل رحمه الله) فأخذ قطعة من الجيش السعودي فأحاطت بالجنود المصريين ؛ لمنعهم من ارتكاب حماقة أخرى ، ولحمايتهم من الناس ، حتى أتموا مناسكهم رحل بهم محروسين إلى جدة ، حتى ركبوا البحر سالمين .
وغضب الملك فؤاد وقطع العلاقات مع المملكة أكثر من سنتين ، ولكن الملك عبدالعزيز ما قطع من جهته موصولا ولا نسي أخوة ، ولا قابل إساءة بإساءة ، كل ما صنعه أن أنكر هذا المنكر الذي كان إتكاره حقًا ومنعه واجبا أكيدا ، فمنع المحمل فانقطع بحمد الله من تلك السنة ، وكانت كسوة الكعبة ، تُصنع في مصر ، وترسل منها فلما قطعتها حكومة مصر يومئذٍ ، كان جواب الملك عبدالعزيز ، أن أمر بصنع الكسوة في المملكة ، وصنعت على عجل ثمَّ حسِّنت صناعتها وارتقت يوما بعد يوم ، حتى أنشئ لها مصنع في جَرْول ، ثمَّ فتح هذا المصنع الكبير في مدخل مكة ، فجاءت الكسوة محلية خالصة ، تنسج هنا (السعودية) وتكتب هنا ، وتخاط هنا .
فكان هذا الحدث خيرا نافعا ، أزال بدعة منكرة ، وأقام مصنعا نافعا.
ذكريات علي الطنطاوي ، ج3 ، ص162
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق