في ظُلُمات البحر
يُرْوى أنَّ سلطان صقلية أرِق ذات ليلة ومُنِع النوم ، فأرسل إلى قائد البحر ، وقال له :
"أنفذْ الآن مركبا إلى أفريقية ، يأتوني بأخبارها "
فعَمِد القائد إلى مقدم المركب ، وأرسله ، فلمَّا أصبحوا إذا بالمركب في موضعهِ كأنهُ لم يبرح ، فقال الملك لقائد البحر :
"أليسَ قد فعلتَ ما أمرتُ ؟! "
فقال :
"نعمْ ، قدْ امتثلتُ أمرك ، وأنفذتُ مركبًا فرجع بعد ساعة ، وسيحدثُك مقدم المركب "
فأمر بإحضاره ، فجاء ومعهُ رجل ، فقال له الملك :
" ما منعك أن تذهب حيثُ أمرتكَ ؟! "
قال : " ذهبتُ بالمركبِ فبينما أنا في جوفِ الليل ، والرجال يجدفون إذا بصوتٍ يقول [ يا ألله ، يا غيَّاثَ المستغيثين ]يكررها مرارا ، فلما استقرَّ صوته في أسماعنا ناديناه :
لبيكَ ، لبيكَ
وهو ينادي [ يا ألله ، يا غيَّاثَ المستغيثين ]
فجدفنا بالمركب نحو الصوت ، فلقينا هذا الرجل غريقا في آخر رمقٍ من الحياة ، فطلعنا به المركب ، وسألناه عن حاله ، فقال :
" كنا مقلعين من أفريقية ، فغرقت سفينتنا منذ أيام وأشرفتُ على الموت ، ومازلتُ أصيح حتى أتاني الغوث "
فسبحانَ من أسهر سلطانًا وأرَّقهُ في قصره ، لغريق في البحر ، حتى استخرجه ، من تلك الظُلُمات الثلاث :
ظلمة الليل ، وظلمة البحر ، وظلمة الوحدة
لا إله غيره ولا معبود سواه .
كتاب المستطرف في كل فن مستظرف ، للأبشيهي ، ص ٥٣٢
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق