مدونة

أبجديات اللغة

آخر الأخبار

Post Top Ad

Your Ad Spot

الأربعاء، 25 مايو 2016

الأدبُ الظفاري .. إلى أين ؟



إلى كلِّ من تعلقَ قلبهُ باللغةِ ، فتاقتْ نفسهُ أن يعرفَ بدايتها ، أو يتجسس عليها قبلَ التهذيبِ ، فقدْ وصلَ إليهِ نبأ أنَّها كانتْ تضمُ حروفًا لا تستلذُها الأذنُ كالقافِ القديمةِ (العميقة) ، أو أنَّها تجمعُ بينَ المتماثلينَ كالسينِ والشينِ في حرفٍ واحدٍ ، وليسَ هذا فحسب بلْ امتدتْ الأقاويلُ – التي لا سبيلَ لديهِ لبرهنتهاـ أنَّهم فيما مضى جمعوا بين الساكِنَّيْنِ .
قدْ تحتاجُ إلى فانوس علاء الدينِ ؛ ليتحققَ أملكَ ، فتكشفُ عصرًا مضى وانقضى ، أو يكفيكَ ويسدُّ ثغرة عقلك خيالُ استعارةِ آلة الزمنِ والسفر معَ عنَّابة ؛ لترى الحُلمَ بألوانٍ مبهرجةٍ ، أو عليكَ فقطْ أنْ تسمعني ( أنا الظفاريُّ) وأنا أتحدثُ بأولِ ما انبثقَ به لساني قبلَ عربيتي ، وهي لغتي الحميريَّة.
 نعمْ ..نعمْ..في لغتي الحميريّة ما ليسَ في لغتي العربيَّة ، أو ما كان فيها ثمَّ زالَ عنها ، ولكنَّهُ يؤلمني أنَّها تموت ، وحانَ أوان غروبِها ، فاليومَ وأنا أتحدثُ بها صوَّبَ لي مَن معي خطأ لساني ثمَّ جاحدهُ الثالث بيننا ، فاختلفوا في الصوابِ ، واتفقوا أن أقولَ ما أشاءُ ، الأمرُ ليسَ موقِفًا يُرْوَى ، ولكنَّهُ حدثٌ جلل وقدْ حلَّ ، فمـــا الحلُّ ؟
أرى أنَّنا آخرُ جيلٍ يتحدَثُ بها ، وبعدَ مرور أربعينَ عامًا من الآنَ – إنْ أطال اللهُ في عمري- قدْ أكونُ آخرَ بقاياها ، فيعلمُ مجتمعي مغبةَ الأمرِ ، ويتسارعونَ إليَّ ؛ لأحفظَ قواعدها في مخازن الكتبِ ( أنا المُخْطِئ السابق ) .
أقولُ بانكسارٍ لا أملَ لتفادي موتَ لغتي الحميريَّة ، فاللغاتُ كما البشرِ تحيا وتموتُ ، عدا العربيَّةَ ، فدرعُها القرآن ، والوعدُ بخلودها مضمون .
 ولكنْ هلْ من سبيلٍ لأخلدَ ذكراها ؟
إنْ كانتْ كما البشرِ ، فكيفَ أكتبُ قصتها؟
الحميريَّةُ ستموتُ ، ويبقى عبقُ ذكراها طيفًا شجيًّا يغردُ بالإرثِ العظيمِ الذي تركته، هل تعلمونَ ماذا أقصدُ ، إنهما (فن النانا والدبرارت)
إلى زمنٍ قريبٍ لم أكن أعي الفرق بينهما ، وكثيرًا ما سمعتُ جدي يشدو بـ(النانا) ويمنعني صغرُ سني ، ومحيطاتٌ من الخجلِ من أن أتجاوزها وأسألُ جدي عنْ فنِ النانا ، لماذا يكررُ حرفَ النونِ بنغماتٍ متفاوتةٍ ؟ وما أصلُ هذا الفنِ؟ وما سرُّ الدمعةِ التي تصاحبهُ ؟
حزمتُ أمري يوما ، وحولتُ البحارَ إلى فيافي ، واقتحمتُ بيتَ جدي ، وحولَهُ نفرٌ ممن يلقنهُ الشهادة ، لقدْ وصلتُ في آخرِ ساعاته ، وما منعني ذلكَ أن أنحني أمام تاريخهِ وأُقَبِلُ رأسهُ مودِعًا ، ثمَّ أميلُ إلى أُذنهِ وأتلو سؤالي :
ما سرُّ فنِ النانا ؟
فما زاد أنْ قال : هو فنُ الجِنِّ .
تلددتُ مرعوبًا باحثًا عن روحِ امرئ القيسِ ، وشعراءِ الجاهلية وما بعد الجاهلية ، وكلِّ مدَّعٍ أنَّ خلفَ شاعريته الجن،
ليستْ الصدفةُ في قواميسِ أبجدياتي ، وأعلمُ أنَّ خلفَ هذهِ الادعاءات تاريخٌ يجبُ أنْ يُحْفظَ ، وأخشى غدًا ألايبقى لنا من هذهِ الفنونِ إلا الأداءُ ، فنترنمُ بنغماتِ النونِ المتفاوتةِ ، لأنَّنا لم نكنْ ندري أن خلف تلكَ النونِ كلمات تتوارى في معانٍ كالسيلِ .
إنْ وقفنا عاجزينَ أمام حفظِ هذهِ اللغةِ مبنىً ، فهل نعجزُ عنْ حفظِها معنىً ؟!



هناك تعليقان (2):

  1. قرأت إحساسك الصادق بين السطور ولامسني ماكتبتيه مبدعة كما عهدناكِ .. أطال الله في عمرك غاليتي إلى أن تصلي لليقين بأن لهجتنا لا ولن تفنى بل ستكون ميراث للاجيال القادمة بإذن الله ��

    ردحذف
  2. بورك تعليقك ومرورك العطر ♤

    ردحذف

Post Top Ad

Your Ad Spot

الاكثر إهتماما