بيت الغشام - محمد الرحبي -

بيت الغشام الذي أصبح متحفا

جميل أن يصادف المرء ما يحفزه لتحويل الأمنيات إلى واقع، تماما، كما نهضت تلك الجدران المتداعية كأنما نسيها الزمن وهو يزحف عليها عشرات من السنين، فوقفت مرة أخرى بجمال الحاضر، مستلهمة من الأمس لوحته وروعته....
كلما رأيت شموخ "بيت الغشام" في وادي المعاول أستعيد المشهد يوم أن كان مجرد فكرة تشاغب نفسها بين شوامخ زلزلها الدهر فتساقطت، وبدا كأنه بقعة مهجورة داخل حارة تعيش حياتها بمنأى عنه رغم رصيده التاريخي المهم، وكان السؤال:

كيف سيصبح معلما في هذه الحارة لتفخر به باعتباره من رصيد عمان وعلاقتها مع التاريخ، قبل أن يكون ضمن أجندة قرية استقبلته ذات ماض مهيب، وآن له أن ينهض من ركامه فتضعه ضمن حاضرها المشرق، وكما اختاره صاحبه السيد محمد بن أحمد الغشام ليكون منارة في بقعة جديرة به فإنه شامخ مرة أخرى كنقطة ضوء في السياقين الثقافي والسياحي، ولكن يتحدث لغة اليوم.كان بيتا يجمع إليه مؤسسه وعائلته، أشبه بقصر مكتوب بجمالية ثراء ذلك الزمان، واليوم سيفتح أبوابه متحفا يضم إليه عمان كلها، جمال الماضي وبهاء الحاضر.. والشغف بالمستقبل، حيث ساحاته تترقب زوار المكان من عمان وخارجها، نهض بهمم أبناء عمان لتضعه لبنة أخرى في منظومة التراث الإنساني، بما يستحقه من مكانة ثقافية وما يمكن أن يقوم به ضمن تحقيق ثراء سياحي يقدم وجها من وجوه الحضارة والبناء في البلاد.
افتتاحه اليوم إنطلاق لحلم أكبر، أن تكبر الطموحات أكثر، هذه الخطوة الأولى فحسب، فالخطط تذهب ليكون المكان أكبر من كونه متحفا يضم بضع مقتنيات، وأوسع من حيطان بيت قديم رغم أهميته كشاهد من شواهد الأمس، ففي ساحته مسرح مفتوح قدم خلال الأشهر الماضية فعاليات إجتماعية وفنية عدة حضرها المئات أكدت أهمية وجود منارة إشعاع حضارية تستقطب الزوار من المواطنين والأجانب، وبجوار المسرح "العريش" برؤية تراثية تجمع داخله أربعة محلات تجارية تبيع الكتب والمنتجات المحلية والتذكارات السياحية، استقطبت إليها حرفيين صنعت أصابعهم لوحات مما ألفناه في مسيرة حياتنا، وشبابا من أصحاب الأفكار في صنع المنحوتات التي تحمل هويتنا..
هي البداية التي تنطلق اليوم وغدا باحتفاليتين تعكسان الرؤية والمسار، مع وجود أفكار أخرى ستأتي تباعا، مطعم تراثي يقدم الوجبات العمانية ومطعم أسماك، وحديقة حيوانات مصغرة، مع سوق أسبوعي تعرض فيه المنتجات المحلية، وفعاليات ترفيهية تعرض فيها ملامح من المكان حيث الفنون الشعبية والمعارض المتخصصة وغيرها.
.. وهي خطوة من خارج الجهد الحكومي، رغم أهميته الكبيرة في الإشراف على مراحل ترميم هذا المعلم متمثلا في وزارة التراث والثقافة، لكنه دور القطاع الخاص، في حيويته القادرة على حركة سهلة، تتكامل مع جهود الآخرين، وتخرج من سياق فكرة المتحف التقليدية لتعمل على مفهوم سياحي / ترفيهي، كما يحدث في عديد من الدول.. حيث يريد الزوار أن يشاهدوا أكثر من تحف أثرية معلقة يجدونها في أمكنة أخرى، وبكميات هائلة، بينما فكرة متحف "بيت الغشام" في روازنه الداخلية أن البيت لا يزدحم بكل ذلك، بل يصنع فرجة متكاملة، بين جدرانه وخارجها.

مقال أ.محمد الرحبي ، جريدة الشبيبة 28 /11/ 2016